المسك

موقع اخباري منوع

العلم يجيبنا.. هل تقف الجينات وراء هوسنا بالقهوة والشوكولاتة؟

المسك- متابعات عاجلة:

|

القهوة، هي ذلك المشروب الشهير الذي لا يتخيل البعض أن يبدأوا يومهم بدونه، بل ويلجأون أحيانا إلى شرب أكواب إضافية منه من أجل التركيز والتغلب على النعاس، في حين أن هناك آخرين قد يحرمهم كوب قهوة واحد من النوم طوال الليل مُسببا لهم التوتر والأرق. الأمر ذاته ينطبق على الشوكولاتة، تلك الحلوى السحرية التي يعشقها الملايين ولا يكتفون منها، لكنّ هناك آخرين يزعجهم مذاقها الحلو. وسواء كنت من محبي القهوة أو الشوكولاتة أو تفضلهما معا، فمن المؤكد أنك ترغب في كشف السر وراء انجذابنا إليهما.

 

الأمر ذاته دفع الباحثين إلى إجراء مجموعة من الدراسات عن الصلة الغريبة التي تجمع حاسة التذوق والجينات، وقد وجدوا أن اختلاف الأذواق في الطعم قد يعود إلى التباين الجيني بين فرد وآخر، وهو أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على اختيارات الطعام والشراب لدينا. يعني ذلك أن إدراكنا للنكهات المختلفة، وميلنا الفطري تجاه بعض النكهات دون غيرها، يلعب الدور الأكبر في تحديد عاداتنا الغذائية.

 

لهذا يفضل البعض قهوتهم “سوداء”

Closeup image of a man and a woman clinking white coffee mugs in cafe
الأشخاص الذين يحبون القهوة غالبًا ما تكون حاسة التذوق لديهم حساسة تجاه مرارة الكافيين، إلا أنهم على الرغم من ذلك ينجذبون بشكلٍ فطري لتلك المرارة. (شترستوك)

يفتتح العديد من محبي القهوة يومهم بمشروبهم المفضل الذي  يؤكدون أنه يساعدهم على اليقظة والانتباه، لكننا نلاحظ شيئا غريبا، وهو أن الكافيين لا يؤثر بالطريقة ذاتها على الجميع، فهناك مَن يكفيه كوب واحد من القهوة، وهناك مَن يشرب كوبين أو ثلاثة ليحصل على النتيجة ذاتها. كما أن البعض يستسيغ مرارة القهوة السوداء ولا يتذمرون منها، في حين أن البعض الآخر تجدهم يتلاعبون بالمذاق عن طريق إضافة الحليب أو السكر ليتحملوا طعمها.

 

هناك كثير من الدراسات العلمية التي تناولت تباين تأثيرات الكافيين على الأفراد وعلاقتها بالجينات، وقد شاركت الأستاذة المساعدة في الطب الوقائي بجامعة نورث وسترن شيكاغو، مارلين كورنيليس، في اثنتين من هذه الدراسات. في الدراسة الأولى التي نُشرت في المجلة العلمية المرموقة “نيتشر” (Nature) عام 2018، تشير كورنيليس إلى أن حاسة التذوق ودورها في إدراك المذاق المُر كان له دور مهم في معرفة ما إذا كانت القهوة ستصبح من مفضلاتك أم لا.

 

تناول الجزء الأول من الدراسة فحص مجموعة من التوائم وذلك لتشابه تركيبتهم الجينية، وصل عددهم إلى 1757 فردا منحدرين جميعا من أصل أوروبي. وقد طُلب من المشاركين تقييم مدى مرارة مادة الكافيين الموجودة في القهوة، حينها لاحظ الباحثون وجود متغير جيني يجعل بعض الأفراد يشعرون بمرارة القهوة أكثر من غيرهم بسبب تركيبتهم الجينية.

 

لكن إن كنت تظن أن الأشخاص الذين لديهم حساسية خاصة لمرارة الكافيين سيشربون كميات أقل من القهوة، فإن الجزء الثاني من الدراسة سيخيب ظنك. استخدم الباحثون في هذا الجزء بيانات من البنك الحيوي في المملكة المتحدة (UKB)، ليكتشفوا أن الأشخاص الذين لديهم إدراك أكبر لمرارة الكافيين كانوا أكثر عُرضة لتناول القهوة بمعدلات أكبر من غيرهم. بمعنى أن الأشخاص الذين يحبون القهوة غالبا ما تكون حاسة التذوق لديهم حساسة تجاه مرارة الكافيين، لكنهم رغم ذلك ينجذبون فطريا لتلك المرارة.

تفضيل القهوة السوداء يعد أحد السمات الجيدة والتي تدفع الأفراد نحو خيارات صحية أفضل.
تفضيل القهوة السوداء يعد أحد السمات الجيدة والتي تدفع الأفراد نحو خيارات صحية أفضل. (شترستوك)

في الدراسة الثانية التي نُشرت بمجلة “نيتشر” (Nature) أيضا عام 2021، عمل الباحثون على التوسع في البحث وأخذ الفروق التي تفصل بين متناولي القهوة في الحسبان، وجاءت النتائج مفاجئة؛ فالأشخاص الذين يفضلون قهوتهم سوداء، غالبا ما تكون أجسادهم أكثر قدرة على التمثيل الغذائي للكافيين وهضمه بشكل أسرع من هؤلاء الذين يتلاعبون بمذاق قهوتهم عن طريق التحلية أو إضافة الحليب، إذ جرى فحص المشاركين الذين أبلغوا عن استهلاك القهوة للحصول على معلومات إضافية تتعلق بالكمية التي يتناولونها في اليوم، وطرق التحلية، ونوع المشروب، وما إذا كانت قهوتهم منزوعة الكافيين أم لا.

 

عن ذلك تقول كورنيليس إن الأشخاص الذين لديهم متغير جيني يعمل على خفض التمثيل الغذائي للكافيين يستهلكون قهوة أقل ممن لديهم زيادة في التمثيل الغذائي، والسبب أن تحفيز الكافيين لمراكز الجهاز العصبي التي تؤدي إلى زيادة اليقظة لا يستمر في الحالة الثانية لفترة كافية، وبالتالي يميل هؤلاء الأشخاص إلى تناول كوب قهوة إضافي. وأضافت أن الأشخاص الذين لديهم هذا الجين يفضلون القهوة السوداء لأنهم يربطون النكهة المُرّة بزيادة اليقظة الذهنية التي يتوقون إليها من خلال الكافيين.

 

خلصت الدراسة أيضا إلى أن تفضيل القهوة السوداء يُعَدُّ إحدى السمات الجيدة التي تدفع الأفراد نحو خيارات صحية أفضل، إذ تعمل كميات معتدلة من القهوة السوداء غير المُحلاة -من ثلاثة إلى خمسة أكواب يوميا- على تقليل الإصابة بأمراض معينة، مثل أمراض القلب ومرض باركنسون والنوع الثاني من مرض السكري، هذا بخلاف أنواع عديدة من السرطان.

لماذا لا تستطيع مقاومة الشوكولاتة؟

تناول الشيكولاتة الداكنة بحرص كقطعة صغيرة يوميًا يعد مفيد صحيًا ويمكن أن يساهم في صحة القلب وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري
تناول الشيكولاتة الداكنة بحرص كقطعة صغيرة يوميًا يعد مفيد صحيًا ويمكن أن يساهم في صحة القلب وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري. (شترستوك)

هناك أطعمة مجرد ذكر اسمها كفيل بأن يثير شهيتك ويجعلك تشعر بالجوع، في حين أن هناك أطعمة أخرى رائحتها وحدها قد تسبب لك الغثيان، ولفترة طويلة، كان يُعتقد أن السبب وراء ذلك ربما يكون عائدا بالأساس إلى العوامل الثقافية والبيئية التي شكلت الذائقة الخاصة لكلٍّ منا، لكن الدراسات الأخيرة كان لها رأي آخر، بعدما أكدت أن الجينات تلعب دورا مهما في تحديد أكلاتك المفضلة، والشوكولاتة ليست استثناء من ذلك على ما يبدو.

 

يرتبط تفضيل الشوكولاتة الداكنة على وجه الخصوص بأسباب جينية، هذا ما كشفت عنه الباحثة مارلين كورنيليس في الدراسة -سابقة الذكر- التي نُشرت بمجلة “نيتشر” (Nature)، إذ خلصت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يفضلون قهوتهم سوداء عادة ما يميلون إلى تناول الشوكولاتة السوداء، وذلك رغم مرارتها التي تجعل الآخرين ينفرون منها. وقد وصفت الباحثة ذلك بأنه تطبيق للسلوك نفسه الخاص بتأثيرات الكافيين على الأطعمة ذات المذاق المُر.

 

تحتوي الشوكولاتة الداكنة هي الأخرى على بعض الكافيين، لكنها تحتوي على قدر أكبر من مركّب “الثيوبرومين”، وهو منبه معروف للجهاز العصبي، ولكن يُنصح بعدم تناوله بكثرة لما قد يسببه من زيادة معدل ضربات القلب. الخلاصة هي أن تناول الشوكولاتة الداكنة بحرص، قطعة صغيرة يوميا، يُعَدُّ مفيد صحيا ويمكن أن يساهم في صحة القلب وتقليل خطر الإصابة بمرض السكري؛ لما يحتويه الكاكاو من مركبات مضادة للأكسدة معروفة بتحسين تدفق الدم.

أما فيما يتعلق بالشوكولاتة المحلاة، عادة ما كان يشير الأطباء إلى أن الرغبة في تناول الحلويات هي في الأساس حاجة بيولوجية، لكن اختيارك للحلوى المفضلة لك يُعَدُّ سلوكا مكتسبا يعود إلى سنوات النشأة. وقد عمل فريق بحثي على فحص جينات أكثر من 6500 شخص من الدنمارك شاركوا في دراسة علمية كبيرة حول أمراض القلب، من أجل معرفة الصلة بين الإدمان على السكريات والجينات، وقد خلصت الدراسة إلى وجود متغيرين في جين يعرف باسم “FGF21” يتسببان في ميل الأشخاص للاستمتاع بتناول الأطعمة السكرية بنسبة تصل إلى 20%.

 

يشير ماثيو جيلوم، المؤلف المشارك في الدراسة والباحث المتخصص في مؤسسة نوفو نورديسك لأبحاث الأيض التابعة لجامعة كوبنهاجن، إلى أن تلك المتغيرات الجينية هي المسؤولة عن حب البعض الشديد للسكريات. لكن ماذا عن إدمان البعض على حلوى “الشوكولاتة” بالتحديد؟

 

الإجابة نجدها في دراسة الباحثة سيلفيا بيرسيانو، زميلة ما قبل الدكتوراه بجامعة مدريد المستقلة في إسبانيا، التي ركزت على تباين العادات الغذائية للأفراد، إذ حلل فريق الباحثين جينات 818 رجلا وامرأة من أصل أوروبي، وجمعوا معلومات حول نظامهم الغذائي باستخدام الاستبانات، وكان المثير للاهتمام ما وجده الباحثون من أن الاختلافات في الجين المسؤول عن تنظيم هرمون “الأوكسيتوسين” المعروف باسم “هرمون السعادة” كانت مرتبطة بكمية الشوكولاتة التي يتناولها الناس.

 

تشير بيرسيانو إلى أن الأوكسيتوسين هو جزء من نظام المكافأة في الدماغ، وقد افترض الباحثون أن من الممكن للمستويات المنخفضة من الهرمون أن تحفز زيادة الرغبة في تناول الشوكولاتة في محاولة للحصول على هذا الشعور اللطيف “بالمكافأة”.

الأشخاص الذين لديهم إدراك قوي للطعم المر، يمكن نصحهم بإضافة بعض أنواع التوابل أو اختيار أنواع أخرى من الأطعمة الصحية التي تتماشى بشكل أفضل مع الطعم المر الذي يفضلونه.
الأشخاص الذين لديهم إدراك قوي للطعم المر، يمكن نصحهم بإضافة بعض أنواع التوابل أو اختيار أنواع أخرى من الأطعمة الصحية التي تتماشى بشكل أفضل مع الطعم المر الذي يفضلونه. (شترستوك)

كان الهدف الأساسي من دراسة سيلفيا بيرسيانو هو معرفة الدور الذي تلعبه الجينات في تحديد خيارات الأفراد الغذائية، وبالتالي إيجاد الطريقة المناسبة لحثهم على اتباع نظام غذائي أكثر صحة. من أجل ذلك بحثت بيرسيانو في الاختلافات الجينية التي تجعل البعض يجدون سهولة أكبر في اتباع نظام غذائي صحي، في حين أن البعض الآخر لا يستطيعون مقاومة الوجبات السريعة المشبعة بالدهون، ويواجهون صعوبات في اتباع الإرشادات الخاصة بتعديل العادات الغذائية.

 

بالنسبة إلى بيرسيانو فإن فهم سلوكيات الطعام لدى الأفراد يمكن أن يساعد في تصميم نصائح غذائية أكثر ملاءمة على المستوى الفردي، مما يساعدهم في النهاية على الامتثال للإرشادات الطبية وتحقيق أفضل النتائج. هذا ما أكدته دراسة جولي جريفيس، باحثة الدكتوراه في مركز جان ماير لأبحاث التغذية البشرية للشيخوخة (HNRCA)، بعدما شملت بالبحث أكثر من 6000 بالغ، لبيان العلاقة بين الجينات المرتبطة بحاسة التذوق وتحديد خيارات الطعام.

 

خلصت الدراسة إلى أن من المهم أخذ العوامل الوراثية الخاصة بإدراك المذاق في الحسبان عند تصميم إرشادات غذائية مخصصة لتحسين جودة النظام الغذائي للأفراد، بمعنى أن الأشخاص الذين لديهم إدراك قوي للطعم المر، يمكن نصحهم بإضافة بعض أنواع التوابل أو اختيار أنواع أخرى من الأطعمة الصحية التي تتماشى بشكل أفضل مع الطعم المر الذي يفضلونه. الأمر ذاته يمكن تطبيقه على الأشكال المختلفة من الأذواق لمساعدة الأفراد على اتباع نظام غذائي مناسب لتفضيلاتهم الشخصية وفي الوقت ذاته أكثر صحة.

المسك. مسك الحدث من أوله, الأخبار لحظة بلحظة

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعي ليصلكم الحدث في وقته.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *